Women2Drive

 هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية

September 26, 20173 min read

أمرٌ منتظر.. محتّم الحدوث.. فهو كالموت مكتوبٌ على الجبين..  سيأتي يوم ويكُن.. ولكن لم أعلم متى سيكون. ورغم يقيني بأنه نافذ لا محاله إلا اني خشيت ان لا اعاصر ذلك العهد. فالأمر قد استغرق 87 عاماً ليُنفذ, ومن يدري، لعله كان سينتظر قرناً اخر ليُؤذنَ له بالقبول

تأكد عزيزي القارئ انني هنا لا أُمثل إلاّ نفسي، فلستُ مع اليميني المتطرف ولا مع اليساري المتبجح. ولست هنا لأقنع أحداً برأيّ. فلن أناقش موضوع قيادة المرأة للسيارة، فذكر تلك الاسطوانة لمبررات القيادة وغايتها والسبل الممكنة لنجاحها في كل نقاش قد استنزف مني الكثير. لكننا نعلم يقيناً ان الإجبار على الفضيلة لا يولد الفضيلة, بل على العكس قد تأتي بنتائج سلبية اذا ما تُرك للمجبور المجال. يقول الدكتور مصطفى محمود: "لا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب, والإختيار الحر بين المعصية والطاعة". وهذا هو تماما مثل قيادة المرأة للسيارة فهو حق مشروع وللمرأة حرية الاختيار في ان تعتمد على نفسها في ذلك, أو أن تبقى "ملكة" مخدومة على طرقات الشوارع

أنا هنا فقط للبوح عن المشاعر التي اجتاحتني خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية. فأمر قيادتي للسيارة في بلدي امر قد انتظرته شخصياً 35 سنة. ومن المفترض أن يعم الفرح كياني في لحظة اعلان الخبر. لكني للأسف لم أكن كذلك! فما اعتراني وقتها كان عبارة عن مشاعر مختلطة, مزيج من مشاعر فرح في انه قد تم اخيراً كسر الحاجز في تجاوز اول و أهم خطوة وهي صدور امر رسمي بالموافقة. فبدونه سيبقى الامر معلّق ومؤجل لوقت غير معلوم ولا محسوم, ولبقي كل مطالب بها علماني ضال مرتزق لا يريد حرية المرأة انما يريد الوصول اليها

لكن ما أفسد الفرح، مزيج من مشاعر "غثيان" واشمئزاز من تشادق الناس وتقاذفهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي, حتى انني ظننت لوهلة أن هاتفي قد قارب على الإنفجار. فهذا يبارك ويهنيء ويتشمت, وهذا يناشد ويطالب ويتوسل, وما بين هذا وذاك, تنهال كمية من التفاهات الساخرة حول التشكيك في قدرة المرأة على القيادة

حاولت جهدي أن أترفع عن الجدال، ولا أخوض مع هذا او ضد ذاك. فما ضرّني وقد بات الامر معلنا من مصدر رسمي، فألزمُ ما علي مفتاحي وسيارتي. لكن ما أحزنني هو حالنا الذي طال سباته، ولم نعد نتنبه لتشابه الأحداث وتساقط الاقنعة. فالتاريخ يعيد نفسه في كل مرة يستجد فيها أمراً خارج نطاق الفكر المعتاد، فينهض ذو الفكر الجامد ليعارضوا ويقاتلوا بكل ما اوتوا من قوة، ويقسموا بأغلظ الإيمان انه لشرٌ مستطير، ثم ما يلبثوا الا ان يرضخوا للامر الواقع ويكونوا اول المباركين والمطالبين وبعدها يغُطوا في سباتهم حتى يجد امر جديد

فأحمد الله أن فكرهم لم ينتصر، وأساله أن لا ينتصر ابدا وإلا لكنا نتمردغ في وحل جهلنا نادبين. فلك ان تتخيل انه ما قبل عام ١٩٦٠ ميلادي لم يكن للمرأة حق للذهاب للمدارس، ولك ان تتخيل انه سياتي زمن يُقال فيه انه ما قبل عام ٢٠١٨ ميلادي لم يكن للمرأة حق ان تقود

انا بالطبع لا اعني من يبدل رأيه عن قناعة واستقراء وتكشف للحقائق، فطبيعة الانسان الباحث ينضج فكره ويتغير رأيه بحسب المعطيات والمعلومات، لكني اقصد المتعصبين الذين ينتقلون بآرائهم من النقيض الى النقيض لا لشيء إلا لمصالحهم الشخصية حسبما يرونها، وليس لمبدأ سامي أو هدف ديني كما يزعمون. فما كان محرماً ومدعاة للفتنة والرذيلة، اصبح في غمضة عين نضوجاً للمجتمع

ختاماً، اسال الله ان يحرر عقولنا من تبعية الشخوص الى فهم وتدبر النصوص، وأن يجعلنا صالحين مصلحين مجددين نسعى لخيري ديننا ودنيانا غير ضالين ولا مفتونين ولا مخدوعين.

Back to Blog