virtual hug

رمضان بلا أحضان

May 15, 20203 min read

في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات مضت, (عشر سنوات مضت!! هذه العبارة كفيلة بأن تجعلني استوعب مقدار الأيام التي مضت من عمري), مر عليّ أول رمضان وأنا مع عائلتي الصغيرة في أرض الغربة. كان أصعب رمضان يمر عليّ وقتها لبعدي عن أهلي وأحبتي وعمّا إعتدت عليه من التهاني والتبريكات لوالديّ وإخوتي بقيت المشاعر المختلطة مدفونة داخلي تظهر ما بين فينة وأخرى كحشرجة في صوتي ظاهرة أو دمعة طارفة لم تكن مكالمات الفيديو كافية لتطفي الحنين الذي يجتاحنيكنت أتوق لأحضن كل فردٍ في عائلتي الذي استحال مع البعد الجغرافي الذي كنت أعيشه آنذاكلم أكن أعلم أن حضناً عابراً قد يكون كفيلاً بتخفيف لوعة الحنين الذي قاسيته حتى جربته من معلمتي في ذلك الوقت فعلمت وقتها سحر اللمسات الانسانية البسيطة التي لا نلقي لها بالاً ولا نعتريها اهتماماًأسهبت في ترجمة شعوري في تلك اللحظة في مقالتي الحضن المجاني

و ما اشبه اليوم بالبارحة

ففي عام 2020, عادَ علينا رمضان, وبأي حال عُدتَ يا رمضان؟!! نحمد الله على كل حال. عاد رمضان وقد تفشى الوباء من أقصى الأرض إلى أدناها, وجعل عاليها سافيلها, ففرق جمعها و أقلق أمنها وزرع الرعب في ساكنيها. فتحركت الحكومات بقرارات الحظر, وتأهبت المستشفيات بأماكن العزل, والتزم الناس بيوتهم ورضوا بالأغلال التي فُرضت عليهم. ومرَّ اليوم تلو اليوم, والشهر تلو الشهر, وطال الأمد علينا.. اغتربنا ونحن في بيوتنا. واشتقنا ونحن على بُعد بضعة أميال او حتى خطوات من بعضنا. لم يعد البعد الجغرافي هو العائق هذه المرة, إنما كان البعد الإجتماعي الذي حرمنا من الحضن الذي تذكرت جميل اثره بعد أن فقدته من جديد. فمن بين فترة واخرى اتعذر بأتفه الأسباب من بعد انتهاء ساعات عملي لأتوقف عند سكن امي واراها من خلف الباب, وأنا ملثمة بالكمام على وجهي فأحتضنها بنظراتي ولسان حالي يقول “اشوفك كل يوم واروح, واقول نظرة ترد الروح ♥”…

♥♥♥♥♥

في عام 2012, عند بداية مشواري الدراسي للماجستير تعرضت لصدمة وفاة أبي طيّب الله ثراه. حُرمت من حَضنه قبل سفري بسبب الأجهزة التي كانت تحاصره. فصبرّت نفسي بقبلاتٍ طبعتها على جبينه وكفيه ورجليه متأملة أن أعود وأرتمي في حضنه وهو بكامل صحته وقوته. لكن كان قضاء الله نافذ الذي أمر بأن تصعد إليه روحه بعد أسبوعين فقط من وصولي لأرض الدراسة مات أبي وبسبب البعد الجغرافي حُرمت من رؤيته ومن احتضان جسده للمرة الأخيرة

و ما أشبه اليوم بالبارحة

ففي الحادي عشر من رمضان 2020, توفت عمتي, أخر من تبقى من أخوة أبي. عمتي التي كنت أجد روح وريح أبي فيها. عمتي التي كنت كلما دخلت عليها أسألها عن الحال, تهلل وجهها واستبشرت وقالت “أنا بخير ياعيون عمتك ♥”. لا أذكر متى أخر مرة زرتها, واستحال أمر الزيارة مع بداية الحظر. أستأنست برؤيتها عبر مكالمات الفيديو مرتين أو ثلاث,  وفي كل مرة كانت مستبشرة باسمة تمازحني كعادتها تدهورت صحة عمتي ودخلت على اثرها المستشفى مرتين و نفذ قضاء الله فيها بأمره بأن تصعد روحها اليه وصلتني وقتها رسالة نُشرت على افراد العائلة أدعوا للعمة الغالية بالرحمة ماتت عميمة قلبي وتجمع من استطاع من افراد العائلة لتشيعها ووداعها لكن بسبب البعد الإجتماعي هذه المرة الذي اثرت ان التزم به بحكم عملي في القطاع الصحي لم استطع بأن اشيع عمتي وحُرمت من رؤيتها ومن احتضان جسدها للمرة الأخيرة

♥♥♥♥♥

هكذا هيا الدنيا تدور لتحمل معها الدروس في طيات احداثها ومصائبها, والفَطِن من تحلى بالصبر واتعظ من العبر. فاللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك, وتحول عافيتك, وفجأة نقمتك وجميع سخطك. اللهم أصرف عنا الوباء وقنا شر الداء واصرف عنا البلاء برحمتك يا سميع الدعاء. اللهم يا باسط اليدين بالعطايا، يا قريب، يا مجيب دعوة الداع إذا دعاه، يا حنان، يا منان، يا أرحم الراحمين، يا بديع السموات والأرض، يا أحد ياصمد، اعطي عمتي من فضلك وخيرك، وارحمها واغفر لها يارب العالمين. اللهم واجمعها مع ذويها في جناتك جنات النعيم. اللهم اغفر لأبي وارحمه ولجميع موتى المسلمين, وارحمنا ياالله اذا صرنا الى ما صاروا اليه

اللهم آمين

Back to Blog