الدنيا ملعونة

!الدنيا ملعونة

October 04, 20193 min read

بُحْتُ يوماً لأحد الذين منّ الله عليّ بصحبتهم بقولي: (كنت دائماً أرى الدنيا، برغم مافيها من تعبٍ وكدرٍ وشقاء، “حلوة نضره”، ولكن في مرحلة ما تغيرت نظرتي لها وأصبحتُ أراها “عَفِنةٌ نَتِنْه”)

سَكَنَ مستمعي لبرهة، وخُيِّلَ اليّ وكأنه قد سَمِعَ جُرماً، لكنّه فاجأني بقوله: (وهي كذلك، الدُّنيا ملعونَةٌ، ملعونٌ ما فيها إلاّ ذكرَ الله وما والاَه، وعالمٍ أو مُتعلّمٍ)

الدنيا ملعونة، يا سبحان الله

وكأنما أراحت هذه الجملة خاطري، فقد كنتُ أُرددُ فيما مضى “الحياة حلوة، بس نفهمها” مدعيةً بانني فهمتُ الحياة واسرار السعادة برغم ما يعترينا فيها من جهدٍ وحزنٍ وابتلاءٍ احياناً. لكن ما لبثت بضعاً من عمري حتى كشفت لي الدنيا وجهها من خلف نقابها، مفصحة عن حقيقتها التي شككت في امري بأني لم اعد افهمها. كنت اؤمن، ولازلت، بأنه لا احد يرى الحقيقة مجردة كما هي، بل كلاً يراها على حقيقته هو. وكذلك الدنيا، كلاً يراها بحسب ما تحتويه نفسه. لذلك شككت في نفسي باني لم اعد أفهمها، وان العفن قد ران على قلبي مما جعلني أراها “عفنة نتنة” على حد قولي. بالرغم اني محافظة على ايجابيتي حتى في اسوء الظروف، واستشعر الفضل والامتنان حتى لأتفه الأمور. فمن أين لي بهذه النظرة الدونية للدنيا؟

أؤمن بان الدنيا دار ابتلاء “ولقد خلقنا الإنسان في كبد”. فإن كُفي احدانا من همٍّ، لابد وأن هماً اخر قد تغشاه. فهذا يُجاهد في سبيل قوت يومه، وذلك يُصارع مرضاً قد المّه، وهنالك من اصبح بلا وطنٍ يضُمّه

ولكن البلاء ليس دائماً بهذه الشاكلة. فأحياناً نجد في المكروب حياة قد نتمناها، ونستتفه هموماً عنده اذا سمعناها، لكنها في الحقيقة هي نارٌ في حناياه ما ادركناها. فهذا يشكوا جفاءً قد كسى قلب ابنه، وذلك يرجوا راحة من تيه في الدنيا لم يجد فيها نفسه. وآخر جافاه النوم من وجدٍ قد غزى قلبه. فالهمّ والبلاء نيرانٌ لا تذيب الا قلب ساكنيها

نعم، إن الدنيا دار همِّ وابتلاء، لكن لا ينافي ذلك أن نكون فيها سعداء. فكونها ملعونة، ليس بالضرورة ان تنافي كونها “حلوة نضرة”. فالدنيا ملعونة، ان ركنّا اليها وجعلناها تعيش في قلوبنا، فيصيبنا من لعنتها السخط والضجر وسوء المشتكى إن سُؤلنا عن الحال. وهي كذلك “حلوة نضرة” إن عِشنا نحن فيها، وسمونا فوق مآسيها، لنعيش برضى وتسليم وتقبُّلٍ وامتنان

فما أصابني ما كان الا مسٌّ من اذى الدنيا، توالت الواحدة عليّ تلوى الأخرى، ولم أُحسن وقتها التدبير. فركنت اليها في ركن سحيق اطبب روحي وأداوي جراحي. مررت خلال هذه الفترة في سراديب الدنيا على هموم وابتلاءات ومعتقدات وقناعات للبشر. رأيت فيها العفن والنتن، واعتقدت أن هذه هي حقيقة الدنيا وما كنت قبلها الا في حُلم وردي أتغنى فيه مع نفسي ولنفسي غير مدركة لحقيقة الواقع. وكنتيجة لذلك، كتبت مقدمة هذا المقال وتركته غير آسفة على عدم إكماله ونشره، كرهاً مني أن يكون مقالي مصدر شؤمٌ لمن يقرأه

ابتعدت عن مقالي ما يُقارب السنة، وتفكرت في نفسي متسآلة عن ما آل اليه حالي في نظرتي للدنيا. وادركت أني في مرحلة ما ركنت لها، وجرتني على غفلة مني لسراديبها ودهاليزها. وران العفن على قلبي، حتى أني لم اعد ارى فيها سواه. سألت الله أن يطهر قلبي ويسمو بروحي لأعيش في الدنيا محلقة بذكرالله مع من والاه، ومن اتخذ من العلم نهجا لاتبع خطاه. فاحلق عاليا لتصغر في قلبي واراها حلوة نظرة من جديد. فما كان مني كأول خطوة الا ان عدت لمقالي واكملته بما به النفس تطيب

Back to Blog